Friday, 28 June 2013

تحياتي لهذا المجتمع الذكورى 11 ..... بقلم ريم موسى



أصبحت ندى من مرتادى العيادات النفسية لم تكن تعلم بالتحديد لماذا تذهب لطبيب منذ أشهر الأطباء النفسيين و لكنها كانت تذهب لأنها تعلم جيدا أن الجميع بحاجة لطبيب نفسى تتحاور معه و تتحدث معه عن كل ما يقلقها و يشغل بالها ليخفف من ضغوط النفسية الناتجة عن الحياة اليومية . لم تكن ندى من المقتنعين بنظرية أن من يذهب لدكتور نفسى لابد أن يكون محتل عقليا أو ذو إعاقة ذهنية و لأن حسين مقتنع بذلك أصبحت تذهب لهذا الدكتور بدون علمه . 20/3/2005 كان هذا تاريخ أول زيارة لندى لعيادة الدكتور أشرف زيدان و ذلك كان بعد ولادة إبنها البكر أحمد بحوالى شهرين و نصف و كان تعانى بما يُسمى إكتئاب ما بعد الولادة أو هذا ما ظنت انها تعانى منه . حجزت ندى موعد لزيارة الدكتور أشرف و ذهبت بالفعل فى الميعاد المحدد . دخلت ندى لتجد فى مقابلتها مكان شاسع الأرضية عبارة عن زجاج و تحته مياه زرقاء و يقسم هذا الزجاج أرضية خشبية . لم تدرك ندى إذا كانت هذه الأرضية حقيقية أم مجرد خدعة بصرية تمتد الأرضية بهذا الشكل لآخر العيادة الحوائط لونها ذهبى فاتح و يوجد فراغ فى الحائط الأيمن و يوجد به حوض أسماك ضخم و توجد بعض اللوحات معلقة على الحائط المقابل لحوض الأسماك و يستقر فى آخر العيادة مكتب إستقبال المرضى الخشبى رائع الشكل و بجوار مكتب الأستقبال باب غرفة مغلقة و من الواضح إن هذه هى غرفة الكشف و على جانبى العيادة و فى المنتصف توجد بضعة الكراسى التى يجلس عليها المرضى . الأضاءة بصورة عامة خافتة و هناك موسيقى هادئة تشعر عندما تسمعها بالأسترخاء. اندهشت ندى من ديكور العيادة لأنها ظنت أن ديكورات مثل تلك لا تراها غير فى الأفلام الأجنبية و لم تكن متخيلة ان هناك عيادة فى القاهرة بهذا الشكل و لكنها كانت متأكدة أن عيادة مثل تلك لابد أن يكون مصممها فائق الذكاء ليصمم هذا الديكور بهذا الشكل . كانت ندى وصلت قبل موعدها بحوالى نصف ساعة قالت ندى لنفسها أن حسين لم يكن أبدا شخص سئ طوال الوقت و لكنه لم يكن عنده القدرة لتعامل مع إمرأة و مع إحتياجات أي إمرأة ولا يفهم أن المرأة تحتاج الشعور بالأمان أكثر من أى شئ آخر . لكن نشأة حسين كانت السبب الرئيسى فى جعله هذا الرجل العملى الذى يحسب كل شئ بالورقة و القلم حتى مشاعره ناحية زوجته .كان حسين الأخ الأكبر لثلاثة أخوات و أخ و أم أرملة أصبح هو العائل الأول لأسرته فى سن صغير ف لذلك أصبحت الجدية هى أسلوب حياته . لم يحاول مطلقا أن يفهم ندى أو حتى يفهم إختياجاتها كمرأة .
مدام ندى إتفضلى ... قاطعت الممرضة أفكار ندى لتعلمها بأن ميعاد دخولها الآن .
دخلت ندى غرفة الكشف و وجدتها نفس الديكور بالخارج و لكن يوجد كرسى الشيزلونج الشهير بوجوده فى عيادات الأطباء النفسيين بوجه عام الجو المحيط بالغرفة مريح نفسياو مثير للأسترخاء . الدكتور أشرف زيدان هو رجل فى أواخر الأربيعين من عمره ذو ملامح جدية نوعا ما قمحى البشرة و صاحب عينان بنية اللون مختفية تحت تلك النظارة الشفافة المستطيلة شعره الأبيض يزيد من وقاره . جلست ندى أما الدكتور و لم تعلم كيف تبدأ بالحديث أو كيف تجرى مثل هذه المقابلات مع الأطباء النفسيين .
د.أشرف: إزيك يا مدام ندى !؟ ممكن أعرف إيه المشكلة الأساسية اللى عندك؟
ندى: أنا تقريبا كده يا دكتور عندى إكتئاب ما بعد الولادة
د.أشرف: طب قوليلى الأول انتى عندك كام سنة أنا عارف السؤال ده بيضايق الستات بس معلش استحملينى و خريجة كلية ايه
ندى: أنا خريجة صيدلة و عادى يا دكتور انا بقول سنى عادى انا عندى 34 سنة
د.أشرف: متجوزة من أد ايه ؟
ندى: من 3 سنين تقريبا
د.أشرف: طب ايه اللى خلاكى تقولى انك عندك اكتئاب ما بعد الولادة ؟
ندى: لأنى بقيت دايما عايزة أعيط و بتمنى الموت دايما
د.أشرف: انتى كنتى عل طول مائلة للحزن ولا ده بعد الولادة بس ؟
ندى: لا يا دكتور انا مكنتش كده انا بقيت كده من بعد ما اتجوزت و زاد الموضوع اكتر بعد ما ولدت
نظر لها الدكتور أشرف بجدية ثم قال: طب احكيلى ايه الفرق بين حياتك قبل الجواز و بعد الجواز و قبل الولادة و بعد الولادة ؟
صمتت ندى للحظات و إعتلت على وجها بعض مظاهر التوتر ثم قالت : معرفش يا دكتور صراحة ايه الفرق بس أنا حاسة انى قبل الجواز كنت مرتاحة اكتر من دلوقتى
د.أشرف: انتى اتجوزتى عن حب ولا جواز تقليدى ؟
ابتسمت ندى إبتسامة باهتة :جواز تقليدى
د.أشرف: طب إسمحيلى اتجوزتى عشان مقتنعة ولا عشان مضطرة !؟
ندى: لا صراحة كنت مضطرة لأن مامتى كانت شايفة انى كبرت و لازم اتجوز خلااص
د.أشرف: طب بصى يا مدام ندى أولا اللى عندك مش إكتئاب ما بعد الولادة ثانيا احنا لسه ادامنا زيارات كتير فأنا هأكتبلك على مهدئ خديه و بره منى هتقولك عل الميعاد اللى جاى بس المهم انتى إهدى.
غادرت ندى الغرفة و ذهبت للاتفاق مع منى على موعدها القادم ثم غادرت العيادة
ركبت سيارتها و سارت فى طريقها لمنزل والدتها لتأخذ إبنها أحمد . كانت قد أخبرت والدتها و زوجها انها ذاهبة لإحدى صديقتها لأنها لم تتجرأ أن تخبرهم بأنها ذاهبة لطبيب نفسى . ظلت ندى تفكر أن فكرة زيارة طبيب لم تكن بالسوء الذى تخيلته.
خلال طريقها تذكرت سؤال الدكتور عن الفرق بين حياتها قبل الزواج و بعد الزواج و حياتها قبل الولادة و بعد الولادة لم يكن من الصعب على ندى أن تدرك الفرق و لكنها ما زالت لا تستطيع أن تواجه نفسها أنها خضعت لوالدتها بطريقة أهانتها و جعلتها توافق لمجرد أنها لم تستطع أن تواجه والدتها و تقول لها أنها غير موافقة على الزواج من حسين  . كانت ندى قبل الزواج أكثر مرحا و أكثر نشاطا و كأنها لم تواجه هموم فى حياتها و كانت تحاول ألا تنظر لما يفعله والديها حتى لا تعكر مزاجها مع أن كل محاولاتها كانت تبوء بالفشل فى النهاية . و مع ذلك كانت من أصحاب المزاج نادر التعكير . لكن بعد زواجها من حسين حياتها إختلفت تماما و لم تكن تلك هى الصورة التى رسمتها ندى عن الزواج . فى البداية كانت ندى تعذر حسين أنه لم يكن يعلم طباعها جيدا و لكنها إكتشفت مع مرور الوقت ان المشكلة هى أن حسين لا يستطيع أن يتعامل مع المرأة بصورة عامة و متخيل أن كل السيدات مثل والدته السيدة الصعيدية التى لا تشتكى أبدا من أى مرض ولا تطلب حب ولا اهتمام من أى شخص و ظن ان كل النساء مثلها . لذلك لم يستطع أن يدرك أن ندى لها متطلبات و ليست بالضرورة ان تكون مثل والدته .
عادت ندى لمنزلها بعد زيارتها الأولى للطبيب النفسى و كانت تحاول ان تهدأ و كان إبنها أحمد جاء موعد نومه ف نام و هى دخلت غرفة نومها و وقفت أمام دولابها لتختار ما سوف ترتديه قبل أن يأتى حسين . بالفعل أرتدت أفضل ما عندها و تزينت و أصبحت فى أحسن حالاتها و جلست أمام التلفزيون تنتظر حسين . ظلت منتظرة حسين حوالى ثلاث ساعات و فى النهاية غلبها النوم و نامت على أريكة غرفة المعيشة .. إستيقظت مع أدان الفجر على صوت إبنها أحمد يبكى إستعربت قليلا انها مازلت على الأريكة تخيلت أن حسين لم يعد للمنزل بعد . ذهبت لترى أحمد و تقوم بتنويمة مرة آخرى . بعد أن نام أحمد ذهبت لغرفتها لتنام فى سريرها ما فاجأ ندى أن حسين نائم فعلا .
 قالت ندى لنفسها : يعنى أنا مستنياك ده كله و انتى جيت دخلت تنام و حتى مهانش عليك تصحينى ادخل انام فى سريرى .
مر أسبوع بعد زيارة الدكتور النفسى كأى أسبوع مر على ندى إلا أنها خلال هذا الأسبوع هادئة نوعا ما على الرغم من محاولات حسين المستمرة لإغاظتها . هى فسرت ذلك بإنها تتناول المهدئ الذى وصى به الدكتور لها . جاء اليوم المحدد لزيارة ندى للدكتور للمرة الثانية و كانت قد فكرت ملياً فى سؤال الدكتور لها فى الزيارة الأولى ...... ذهبت للدكتور و لكن هذه المرة ذهبت فى الميعاد بالظبط لأنها لم ترد أن تفكر كثيرا فى الأجوبة التى جهزتها فى عقلها لترد على سؤال الدكتور . بمجرد أن دخلت العيادة نادت الممرضة على إسمها و دخلت غرفة الكشف ....
بعد بعض الأسئلة المعتادة مثل هل أحست بأى تغيير مع تناول المهدئ ؟ هل حالتها النفسية أفضل أم أسوأ أم هى كما كانت فى المرة الماضية ؟ جاء سؤال مفاجئ من الدكتور ....

الدكتور: انتى طلبتى الطلاق قبل كده يا مدام ؟
تلجلجت ندى قليلا ثم قالت: ااه
الدكتور:طب انتى ليه طلبتى الطلاق ؟
عادت ندى بذاكرتها للقاء عائلتها فى منزل عمتها بعد محاولتها لطلب الطلاق للمرة الأولى . كان التجمع الأسرى سببه أن يتناقشوا فى قرار ندى بطلب الطلاق من حسين .
بعد أن دخلت منزل عمتها و اكتشفت وجود هذا الجمهور العريض المجتمع ليرجع ندى  فى قرار كان القرار الأصح فى حياتها كاملة
جلست فى مقابلة هذا الجمهور و كانت أمام والدتها مباشرة و كانت متعمدة ان تجلس فى مقابلتها بدأت عمتها سلوى بالحديث قائلة : إيه يا ندى يا حبيتى اللى مدحت بيقوله ده ؟
ندى: بيقول ايه يا عمتى أصلى مسمعتش هو قال إيه ؟
سلوى: بيقول انك عايزة تطلقى !!!
ندى: ااه يا عمتى فعلا انا عايزة اطلق مبقاش ينفع أعيش معاه
نظرت لها عمتها نظرة كأنها تريد أن تقرأ أفكارها ثم قالت : ليه فى ايه إحكيلنا ؟
وجهت ندى نظرها لوالدتها و قالت بإستنكار : ايه هما بابا و ماما مش قالولكوا أنا عايزة أطلق ليه؟
رد عمها جمال : لا يا ندى مقالوش ليه و احنا عايزين نعرف منك انتى
ندى: و الله يا عمو حسين اتجوز عليا انا عشان انا مبقتش حامل و قال ان من حقه يخلف و يجيب ولى العهد ف راح اتجوز عليا و مراته حامل و انا عرفت بالصدفة البحته لما حماتى قالتلى عشان تغيظنى بس لأجل سوء نيته أكتشف انى حامل
نظروا جميعا لبعض ثم قال عمها : ألف مبروك يا حبيبتى ثم وجه كلامه لوالدها: هتبقى جد يا مدحت خلااص
ندى: الله يبارك فيك يا عمو و انا طلبت الطلاق فعلا و سبت البيت ثم وجهت كلامها لوالديها بس الظاهر انى قعدتى فى بيت أبويا بقت تقيلة عليهم شويتين
سلوى: لا ازاى تقولى كده يا ندى !!؟ بس الموضوع و ما فيه هما مش عايزينك تخربى بيتك
ندى: البيت اتخرب خلاص من اول ما هو فكر يتجوز عليا يا عمتو
سلوى: لا متقوليش كده هو انتى لسه كملتى حاجة يا حبيبتى دى نزوة و بكرة يفوق و انتى الأولى و صاحبة البيت أصلا مكانش ينفع تسيبى البيت
حاولت ندى أن تمنع نفسها من الضحك و لكنها فقدت السيطرة على نفسها و أطلقت ضحكة عالية أخيراً
نظر الجميع إليها بإستغراب .....
قالت ندى و عينيها مدمعتين نتيجة نوبة الضحك الهيسترية التى وقعت بها: كان أنكل سليم فاق يا عمتو و لا إيه يا عمتو سعاد ؟ ثم نظرت نظرة ذات معنى لعمتها سعاد التى مرت بهذه التجربة قبلاً و مازالت تحاول تقنع نفسها أنها الأساس
فوجئ الجميع بما قالته ندى لأن لا أحد منهم متوقع ان يصدر كلام مثل ذلك من ندى بمعنى آخر هذه هى ندى المثال الأكبر للتربية بالعائلة و بالأخص عمتها سعاد التى نظرت فى الأرض و لم تتخيل ان كلام مثل ذلك قد يُوجهلها و بالأخص من ندى.
استطردت ندى كلامها و هى تنظر لعمتها سعاد بشفقة : معلش يا عمتو و معلش يا جماعة بس ندى الصغيرة النونة المؤدبة دى خلاص مبقتش موجودة و خلاص كبرت و مبقتش بنت و دى حياتى أنا و أنا عن نفسى مش هأقدر أعيش بالأسلوب ده طول حياتى أنا ممكن يجرالى حاجة انا وافقت الاول ماما على الجوازة دى لأنها كانت عايزة من وراها حاجة تانية صح يا ماما ولا إيه ؟
وقفت والدة ندى و قالت بحدة: أنا شكلى معرفتش أربيكى يا ندى انتى إزاى بتتكلمى كده و ايه قلة الأدب اللى انتى فيها دى ؟
ندى: دى مش قلو أدب يا ماما و أنا و انتى عارفين كويس انتى وافقتى ليه على حسين ف بلاش تعملى نفسك دلوقتى انك المجنى عليكى و جايبة الناس دى كلها عشان تعمليلى مجلس تأديبى عشان أرجع عن قرارى بس تعرفى يا ماما انا مش هأرجع عن كلامى لأن الموضوع ببساطة مبقاش ف إيدك ده بيتى انا و جوزى و ابنى ولا بنتى اللى هيجى دى حياتى انا ملكيش دعوة بيها كفاية اللى عملتيه لغاية دلوقتى .

برغم الراحة التى أحست بها ندى بعد أن قالت كل ذلك لوالدتها إلا أنها أحست بالندم قليلا و لكن سرعان ما فارقها هذا الشعور لأنها لم تخطئ بأى شئ مما قالته .
كان الجميع مندهش منها و من طريقة الكلام التى وجهتها لوالدتها و لكنها بالرغم من ذلك وقفت أمام والدتها و استطردت قائلة : لو فى كلمة من اللى انا قولتها غلط قوليلى ...... انا خلاص يا ماما كبرت و عديت ال 30 سنة ولا نسيتى دى كانت جملتك المفضلة ف إذلالى ......
سكتت ندى بعد أن قامت والدتها بصفعها على وجهها
والدتها : الظاهر انى معرفتش أربيكى عشان تردى علينا بالشكل ده
فى وسط ذهول جميع الحاضرين أخذت ندى شنطتها و قالت : أنا أسفة انى افتكرت ان البيت لسه بيتى و على الأقل مش هكون ضيفة تقيلة عليكوا يا ماما عن إذنكوا .
لم يدرك أحد ما حدث خلال الخمس دقائق الماضية و لكن اندفعت ابنه عمة ندى وراءها قائلة: إيه يا ندى رايحة فين استنى بس . و لكن حديثها كان بدون جدوى ف كانت قد غادرت المنزل بالفعل و أغلقت الباب وراءها .
فتحت باب الأسانسير و لكنها لم تضغط على زر النزول بعد. حاولت إستعياب ماذا حدث للتو و لكنها لم تستطع التفكير ضغطت على زر الدور الأرضى عندما أحست ان هناك أحد خرج من شقة عمتها .
لم تكن تدرى ندى أنها لم تكن فقط تفكر فيما حدث من قبل و لكنها كانت فى نفس الوقت تحكى ماذا حدث للدكتور أشرف و الدموع تنهال على وجنتيها .
أدركت أخيرا أنها مازالت فى عيادة الدكتور ف نظرت له قائلة و هى محرجة : أنا أسفة يا دكتور جدا بس أنا قلت حاجة ملهاش علاقة بالسؤال اللى انت سألته .
رد عليها الدكتور : لا بالعكس انا كده عرفت معظم اللى انا كنت عايز أعرفه . حضرتك ممكن تتفضلى و منى بره هتحددلك الميعاد اللى جاى و لو سمحتى استمرى على نفس العلاج بتاع المرة اللى فاتت .
                                                  يُتبع