Tuesday, 16 April 2013

تحياتي لهذا المجتمع الذكورى 10 ..... بقلم ريم موسى




فى مجتمعنا المصرى أصبح الزواج كصفقة من يدفع أكثر لمن تمتلك أصول أكثر أصبح الزواج كصفقة حقيرة فى السوق السوداء . الأشخاص فى مجتمعنا الجليل تناسوا المعيار الأساسى للزواج و بحثوا عن معايير آخرى . نسوا أو تناسوا أن القيمة الأساسية للزواج كما قال الرسول(ص) من ترضوا دينه و خلقه فزوجوه و لا يمكن غض النظر عن التكافؤ الإجتماعى و التكافؤ المادى بين الطرفيين و لكن الأمر إختلف تماما الآن حيث أن أصبح الزواج جوهره المادة . أصبح الزواج عبارة عن من سيدفع مهر أكثر من غيره و من يمتلك شقة تمليك و من سيشترى شبكة بسعر أعلى و من سيكتب مؤخر أعلى من غيره و مثل ذلك فى الكثير من الأمور أصبح مجمل الزواج المادة البحتة . و نسينا كل المعانى الجميلة للزواج من حيث انه بداية لأنشاء أسرة و بيت جديد و حياة جديدة و اندماج بين عائلتين أو بمعنى أصح إنصهار عائلتين . و نسوا أيضا أن الزواج لابد أن يقام على أساس توافق فكرى بين الطرفين حتى يستطيعوا الأستمرار فى الزواج هذا لو لم نتحدث عن الحب و أن الحب يأتى بعد الزواج كما يقال فى الزواج التقليدى أو ما يسمى بزواج الصالونات . من تقبل على نفسها أن تعيش مع رجل بُنيت علاقتهما على المادة كيف ترى نفسها عندما تنظر فى المرآه . ألا ترى أى تشابه بينها و بين العاهرات التى يتم الدفع لهن أو الدفع لقوادهن لتمارس علاقة مع رجل . ألا تنظر لنفسها بإستحقار إذا شعرت فى يوم ان زوجها يبقيها على ذمته فقط لأنه غير قادر على دفع قيمة المؤخر أو قيمة القايمة . كيف ترى نفسها عندما تُهان بأسوء الطرق لمجرد أن زوجها يدفعها لطلب الخلع حتى لا يدفع المبالغ الطائلة التى كتبها على نفسه . كيف ترى نفسها عندما يتزوج زوجها غيرها و يتركها كما يقال "زى البيت الوقف" لمجرد أنه لا يرغب فى دفع قيمة لمؤخر و القايمة . لا أعنى بكلامى أن كل الزيجات بهذا الشكل و لكن هناك نسبة لا يستهان بها على هذا الشكل . حين نستمع لفتاة تم خطبتها حديثاً تتحكى لصديقتها عن خطيبها نجدها تقول "ده دكتور و عنده شقة تمليك و جابلى شبكة بالمبلغ الفلانى و هنجهز الشقة بالمبلغ الفلانى" و لا نراها تتحدث عن صفاته كرجل أو عن شكله أنما الحديث قائم على المادة أيضاً.
خلال رحلة عودة ندى لمنزل عمتها تذكرت أول مرة رفع فيها حسين يده و ضربها على وجهها و كم كانت تشعر بالأهانة و انها فقدت شئ من كبرياءها كيف انه يفعل معها شئ كهذا و كان هذا رد فعله نتيجة مناقشة تافهة عن مصاريف البيت . لكنها تذكرت أيضا أنها لم تكن المرة الوحيدة التى فعل فيها ذلك بل تتطور الأمر لأكثر من مجرد صفعة على الوجه . و لكنها لم تستطع أن تتحدث لأنها هكذا تهين كرامتها أكثر و أكثر و لأنها تعلم أن والديها لن ينصفاها كالعادة . ندى لم تستطع أبدا أن تقف أمام والديها لتقول لهم ما الذى تشعر به بالتحديد أو تعترض على أى قرار من قراراتهم .

وصلت ندى لمنزل عمتها و لكنها انتظرت لفترة فى السيارة لم تستطع ندى تحديد كم من الوقت مكثت فى السيارة ختى قررت النزول و مواجهة الأمر الواقع فى فترة مكوث ندى فى السيارة ظلت تنظر لكل من يمر بجوار سيارتها و تتخيل كم من حكاية وراء كل هذه الوجوه و أقنعت نفسها أنها أفضل من غيرها بكثير و أنها ستتخلص من كل مخاوفها و تصمد أمام والديها حتى يتم الطلاق و لكن كان هناك جزء خفى داخلها لم يكن متأكد من مدى صدق كلامها لنفسها . حاولت تذكر أى لحظة عاشتها و هى سعيدة مع حسين و لكنها لم تستطع تذكر أى شئ له و هذا كان بسبب أنه لم يكن هناك لحظات سعيدة بينهم تلك اللحظات التى تأخذها فوق السماء من السعادة و السبب الآخر ان بعد زواجه من آخرى أصبح صعب عليها تخيله و كل ما كانت تتخيله كانت تراه مع زوجته الآخرى . أخيرا ترجلت ندى من سيارتها و توجهت نحو هذه البوابة القديمة ذات الطراز العتيق الخاص بمنطقة الكربة فى مصر الجديدة و تذكرت عدد المرات التى كانت تلعب و هى ضغيرة فى مدخل هذه العمارة . هنا كانت تختبأ من بنات عمتها و هناك كانوا يجلسوا يلعبوا سيجا إبتسمت ابتسامة خفيفة و دخلت ذلك المصعد الضيق و صعدت للدور الثالث كانت ضربات قلبها تزداد قوة أحست ان هناك شئ سوف يحدث و مع ذلك تماسكت و خرجت من المصعد و ضغطت على جرس الشقة رقم 5 . فتح الباب رجل فى أواخر العقد السادس من عمره يرتدى بنطال رمادى اللون و قميص أبيض اللون و به خطوط طولية لونها رمادى طويل القامة ذو شعر شائب يعطيه وقار و هيبه ذلك الرجل لواء جيش متقاعد  قائلا : ندى ازيك يا حبيبتى عاملة ايه ؟ اتفضلى .
قالت ندى: عمتى موجودة يا أنكل؟
عماد: أه موجودة اتفضلى
دخلت ندى هذه الشقة ذات الطراز القديم ذو الأرضية الخشبية و السقف العالى و الشبابيك الطويلة و الحوائط ذات اللون الأبيض تدل هذه الشقة على أن ساكنيها أصحاب ذوق رفيع فى طريقة ترتيب البيت و كانت بالفعل تبدو فخمة جدا و كانت تحب ندى هذا المزيج من الفخامة و العراقة المتواجد فى منزل عمتها . فى مدخل الشقة توجد على الحوائط مجموعة من الصور لأفراد أسرة عمتها فى مختلف الأعمار و الفترات الحياتية و لكن توجد صورة أكبر من الباقيين و هى صورة بالأبيض و الأسود لزوج عمتها عماد ببذلته العسكرية و بجواره هذه المرأة الجميلة القصيرة رقيقة الملامح و الشعر القصير حين تراها كأنك ترى أحدى ممثلات السينما المصرية القديمة و ترتدى ذاك الفستان الأبيض الملائكى ذو التصميم الملكى و كما كانت ندى تسمع دائما انهم يشبهون هذا الفستان بفستان زفاف الملكة فريدة زوجة الملك فاروق هذه عمتها سلوى . بعد حائط الذكريات توجد الصالة الرئيسية للشقة و كان بها صالونان أحدهما كحلى اللون و الآخر سكرى اللون كان يوجد بالبيت إحساس بالألفة و الجو العائلى المثالى . أخيراً وجدت ندى من ينتظرها فى الصالون جميع أفراد عائلتها بداية من أبيها و أمهها و مرورا بعمتها سلوى و عمتها الآخرى سعاد و عمها جمال و ابنه و ابن عمتها سلوى و بالنهاية زوج عمتها عماد الذى كان يقف خلف ندى . نظرت ندى حولها بتعجب و ضحكت ضحكة سخرية ......

ماما هى المسألة دى تتحل إزاى ؟ عادت ندى من رحلة ذكرياتها على صوت إبنها محمد
ندى: ورينى يا حبيبى .... دى سهلة أووى انت حليت زيها كتير بص بقى ......
كانت ندى تتمنى فى يوم من الأيام ان تكون حياتها مثالية و لكنها مع الوقت لم تعد تطمح لهذه المثالية و لكن كل ما كانت تتمناه أن يعيش ولديها حياة متوازنة بدون ان يتأثروا بخلافتها مع حسين و لكن مع مرور الأحدى عشر عام التى قضتهم مع حسين أصبح ولديها واعيين تماما لما يحدث بينها و بينه و أصبح ذلك يؤثر فيهم بالسلب سواء على نفسيتهم او على علاقتهم الإجتماعية مع من حولهم حيث أن أصبحوا منطويين على أنفسهم و أثر ذلك أيضا على مستواهم الدراسى و تلقت ندى الكثير من الشكاوى من ولديها من مديرة المدرسة التى يرتادوها حيث أنهم لا يعطوا تركيز كامل للدراسة و مائليين للعنف مع الأولاد معهم فى المدرسة . كانت ندى مدركة تماما أن هذا ممكن أن يحدث منذ أن أصبحت حامل فى أحمد ولدها الكبير و لكنها حاولت كثيرا تغيير ذلك و لكنها لم تستطع .
أخذت ندى تتفقد منزلها و تلقى نظرة على كل غرفة و كأنها تلقى نظرة على ذكرياتها فى هذا المنزل لم تستطع ندى تذكر ولا ذكرى واحدة كاملة من السعادة بدون ان ينهيها حسين بنكد و شجار كالمعتاد . كانت متطلبات ندى تغيرت على مر السنين هى فى البداية كانت تطلب من حسين ان يحبها كحب الأساطير و لكن لم يُلبى لها هذا الطلب . أصبحت تطلب منه فقط ان يهتم بها و ان يحس بها و لكن ذلك طلب لم يُلبى أيضا . فأصبحت أخيرا لا تطلب منه غير ألا يهنها أنا أولادها و ألا يتشاجر معها أمامهم حتى ا تتأثر نفسيتهم و لكن ذلك الطلب أيضا لم يُلبى و كان مبرره الوحيد انه لا يفكر فى هذه التافاهات كما تفكر بها هى لأنها كانت دماغها خالية من أعباء الحياة و لذلك تفكر بتفاهات و تطلب منه تلبيتها .
لاحظت ندى ان ابنها الكبير أحمد يجلس أمام التلفزيون و هو مغلق و لا ينطق بأى كلمة منذ فترة ليست بالقصيرة نادت عليه و لكنه لم يجيبها ذهبت إليه و جلست بجواره
ندى: أحمد !! أحمد !!! فى ايه مالك سرحان فى ايه ؟
أحمد: مش سرحان فى حاجة يا ماما
ندى: طب انت قاعد ساكت ليه و مفتحتش التلفزيون ليه؟
أحمد: ماما انا عايز اسألك سؤال هو انا امتى هموت ؟
ندى: بعد الشر عليك يا حبيبى ربنا يديك طولة العمر و افرح بيك و ب عيالك ان شاء الله انت ليه بتقول كده؟ فى حاجة مضيقاك
أحمد: هو انتى يا ماما انتى و بابا بتحبونى انا و محمد ؟
ندى: ااه طبعا يا حبيبى بنحبوكوا هو احنا لينا غيركوا
أحمد: طب بتحبوا بعض ؟
تلجلجت قليلا ندى ثم قالت: اه يا حبيبى
أحمد: امال يا ماما مادام بتحبوا بعض ليه بتتخانقوا كتير ؟
ندى: يا حبيبى كل الكبار بيختلفوا مع بعض و بعد كده بيتصالحوا وانا و بابا بينا حاجت مختلفة ف ساعات نختلف مع بعض و بعد كده بنتصالح
أحمد: بس انا و محمد بنضايق لما انتوا بتتخانقوا و بنفضل طول الليل نحلم أحلام وحشة
ندى: انا اسفة يا حبيبى و اوعدك ان احنا منتخانقش تانى خالص
احتضنت ندى ولدها أحمد و فى هذه اللحظة أدركت ان ولديها لم يعدوا أطفال و أصبحوا يدركوا كل ما يحدث من حولهم بينها و بين حسين .كانت ندى منذ أن علمت بأنها حامل كانت خائفة من هذه اللحظة كثيرا و لكن هذه اللحظة اتت أسرع بكثير مما كانت تتخيل .
وصل حسين للمنزل فى هذه الأثناء و بعد طقوس دخوله البيت من تغيير ثيابه و تناول الغذاء و ما إلى ذلك . نادت عليه ندى و  لكنه كالعادة لم يعر اى اهتمام لنداءها عليه خرجت له ندى من غرفتها قائلة : حسين لو سمحت عايزاك فى كلمتين جوه
حسين: طب ما تقولى انتى عايزة ايه انا عايز اتفرج على البرنامج ده
ندى: معلش كلمتين مهمين شوية و ماينفعوش هنا ممكن تيجى
دخلت ندى غرفة نومها و دخل وراءها زوجها قائلا : طب ما تستنى لما الولاد يناموا حبكت تعوزينى دلوقتى
ندى: حسين انت دماغك مفيهاش غير كده هو انا مينفعش اكون عايزاك فى اى حاجة تانية
حسين: يبقى عايزة فلوس
ندى: برضه لأ
حسين :طب فى ايه يا ريت تقولى بسرعة لأنى راجع هلكان من الشغل
روت له ندى ما قاله أحمد لها و لكنه كعادته استخف بالموضوع
حسين: يا شيخة خضيتينى عيل و بيقول اى كلام
ندى: لا يا حسين هو مش عيل عنده 9 سنين خلاص مبقاش عيل و كمان انت لو بتقعد مع ولادك كنت عرفت انهم متأثرين باللى انت بتعمله ده
حسين: انا اللى بعمل و انتى الملاك البرئ
ندى : انا لا قلت ملاك برئ و لا غيره انا بقول ان انت لو حابب انك تتخانق يا ريت تبطل تتخانق ادامهم لأنهم متأثرين جدا بالموضوع ده
حسين:خلاص متبقيش انتى تضايقينى و انا مش هتخانق معاكى ادامهم
ندى: انا مبنرفزكش انت اللى بتصر انك تهينى فى ا وقت المهم دلوقتى لو مكنتش انت خايف على نفسية الولاد انا خايفة عليها
حسين: خلاص يا ست يا بتاعة النفسية محسسانى انى قاعد مع دكتورة نفسية ده انتى صيدلانية ولا نسيتى
قالت ندى بينها و بين نفسها : البركة فيك انت تسيتنى كل حاجة حتى انك نسيتنى نفسى
ثم قالت ندى بصوت مسموع لحسين : لا منستش لسه فاكرة
و فى طريقها لمغادرة الغرفة قال لها حسين : ما تيجى بعد ما العيال يناموا .....
قاطعته ندى: ماشى يا حسين
غادرت ندى الغرفة و هى يزداد بداخلها احساس انها تخطئ فى حق أطفالها و فى حق نفسها تحولت حياة ندى كلها لعادة حتى اللحظات الخاصة بينها و بين زوجها أصبحت عادة لا تشعر فيها بأى شئ أصبحت ندى احدى المومسات و لكن بطريقة شرعية وورقة زواج رسمية موثقة و لكنها أحست نفسها لا تختلف كثيرا عنهم . من الممكن ان بعض يعترض او يستنكر طريقة تفكير ندى و لكن هذه الحقيقة التى يحاول مجتمعنا إخباءها او انكارها . كم زوج مصرى يحاول إسعاد زوجته أو إشعال شرارة حبهما مرة آخرى فى الحياة العادية . كم زوج مصرى بعد مرور سنتين او ثلاثة على الأكثر يفكر فى احتياجاته فقط و هذه المدة لمن رحم ربى و لكن فى آخريين بمجرد انتهاء قترة أسبوع العسل . كم زوج مصرى يبوخ إمرأته على زيادة وزنها و عدم اهتمامها بنفسها و فى نفس الوقت لا ينظر لنفسه ولا يرى كم ازداد وزنه و ان من حق امرأته ان يهتم بمنظره و جسده كما هو من حقه ان تهتم هى بمنظرها و بجسدها . و لكن لأنه رجل فلا يهتم بهذه الأمور و لكن لابد ان يرى فى زوجته كل النساء الجميلة من هيفاء وهبى و إليسا و نانسى عجرم و لا يحق لزوجته ان ترى فيه أحمد عز و محمد رجب و كريم عبد العزيز . بالأختصار المجتمع المريض الذى نعيش فيه يمجد الرجل و متطلباته مع ان فى نفس الوقت المرأة لها نفس المتطلبات و لكن لأن الرجل هو العنصر المهيمن على المجتمع ف هو و متطلباته فوق النصف الآخر للمجتمع ......


تحياتي لهذا المجتمع الذكورى 9 ..... بقلم ريم موسى




بعض الأوقات يكون الحديث مع الأصدقاء مريح عن الحديث مع الأهل و هذا ما كانت ندى توصلت له منذ عدة سنين مضت . حين أستيقظت ندى هذا اليوم لم تكن تعلم انه سيكون يوم مختلف تماما ..... قبل أن تركب ندى سيارتها تذكرت شئ فى ذلك الصندوق الخشبى فتحت شنطتها و أخرجته و ركبت السيارة و لكنها توقفت فى إشارة مرور و بالصدفة سمعت كلمات تعنى لها الكثير " يا نجمة كل ما ضيها يلمس حجر يعلى و يتحول قمر بكتب حروف اسمك بحبات الندى على كل أوراق الشجر مين اللى يقدر يعشقك أدى أنا مين اللى يقدر يوصفك زى أنا يا حلم نفسى تحلمه كل القلوب يا أعلى إحساس شدنى خلانى أدوب خلانى أحس انى بشر عايزانى ليه لما تقوليلى بعشقك مأصرخش و أملى الكون آهات ". كانت هذه الأغنية من الأغانى المفضلة لندى . و تذكرت ندى هذه الأطوانة الموجودة فى الصندوق الخشبى أخرجتها ووضعتها لتستمع لها كانت عبارة عن مجموعة من الأغانى التى أعنت الكثير لندى فى يوم من الأيام و كانت أول أغنية هى لما النسيم لمحمد منير بمجرد أن سمعت ندى موسيقى هذه الأغنية انتابها عاصفة من الذكريات اللامنتهية و كأنها أصبحت فى عالم آخر .. كانت هذه الكلمات لها تأثير كالسحر على ندى لم يكن أحد يعلم لما ندى تحب هذه الأغنية بهذا الجنون مع انها لم تكن من محبى محمد منير فى البداية و لم يعلم أحد لما تحولت لعشق محمد منير على هذا النحو إلا بضعة أشخاص . تواصل تسلسل الأغانى التى حملت لندى لعالم من الذكريات و الحنين للماضى و لجزء بداخلها كانت ظنت أنه إختفى أو أنها حاولت نسيانه و إخفاءه . وهى تسير فى شوارع القاهرة كانت بعض الذكريات تناتبها من ذكرياتها مع أصدقاءها نهال و عاصم و حين كانت نهال تقابل مازن و الكثير و الكثير من الذكريات التى لا يمكن مهما مضى من العمر أن تنساها و بعض الذكريات الآخرى التى حاولت نسيانها و ليس لأنها ذكريات سيئة و لكن لأنها كانت الأفضل على الإطلاق و حاولت نسيانها حتى لا تسبب مشاكل فى حياتها الجديدة مع زوجها ز هذا ليس لأن ندى تحب زوجها و لكنها لا تقبل على نفسها أن تكون معه و تتذكر غيره . توقفت عند محل لبيع العصائر لتشترى لنفسها شئ تتناوله لأنها خرجت بدون تناول وجبة الفطور . ركبت سيارتها مرة آخرى هذه السيارة ذات أحدث موديلات السيارات أشترتها ندى قبل زوجها بمدة لا تزيد عن شهرين و لكنها لم تكن تحبها لأنها تذكرت كيف حصلت عليها ...... وصلت ندى أخيرا و بعد حوالى ما يزيد عن الساعة لمكان لقاءها مع نهال و كان ذلك نتيجة إزدحام الطرق كعادة طرق القاهرة الكبرى . دخلت ذلك المطعم و هاتفت نهال لتقول لها انها وصلت قالت لها نهال انها سوف تصل فى غضون عشرة دقائق . غرقت ندى مرة آخرى فى ذكرياتها مع أصدقائها و لكن ظل وجه يظهر فى ذكريات ندى و مع كل محاولاتها المستميته لتخفي هذا الوجه عن نفسها و لكن فى كل مرة تتذكر شئ تجده أمامه و كأنه يعاندها و يظهر لها ضد رغبتها . شاب فى أواخر العشرينات ذو مظهر جذاب للغاية قمحى البشرة و عيناه بنية اللون لهما سحر خاص و ذلك الشعر البنى الفاتح طويل ذو جسم متناسق تماما . شاب لا تستطيع ان تراه فتاة و إلا أن تعجب به و خاصة بتلك البذلة كحلية اللون الخاصة بالطيارين . وجدت ندى نفسها بدون قصد تبتسم إبتسامة لم تكن ترتسم على شفتيها إلا عندما تتذكر هذا الشاب و بالرغم البعد بينهما ظلت تتمنى له الخير له و تتدعى له بداخلها و ترجو ربها أن يستجيب لها . دخل من باب المطعم ثلاثة أشخاص فتاة و شابين . فتاة ى أول الثلاثين من عمرها و طويلة نوعا ما و جسمها يشبه أجسام ممثلات هوليوود المشهورات ذات بشرة فاتحة اللون و الشعر المجعد كستنائى اللون و العينان عسلية و ترتدى فستان سكرى اللون و فوقه جاكت جينز و فى الحقيقة تبدو و كأنها مازالت فى أوائل أو منتصف العشرينات . و أحد الشابين طويل القامة و عريض المنكبين قمحى البشرة و ذو العينان سوداء اللون يرتدى بذلة سوداء و ربطه عنق رمادية اللون و كأن تحيطه هالة من الهيبة و يشبه كثيرا أخيه عاصم مع إختلاف السن و العمل . الشاب الآخر لم تكن ندى تتوقع رؤيته تماما يرتدى بنطال جينز و جاكت جملى اللون و مازالت عيناه تلمعان و يشعوا بالسحر الخاص بهما و كأن لم يمر عليه الأيام . جلس ثلاثتهما مع ندى على نفس الطاولة نهال و وكيل النيابة مازن خطيبها الذى أتى ببذلة العمل و معتز أخ نهال . ظلت ندى تنظر لثلاثتهما حتى قالت نهال أخيرا: ايه يا ندى هانم عاملة ايه ؟ احنا كنا بنشوف القاعات عشان الفرح انا و مازن و معتز و قالوا يجوا يسلموا عليكى
ندى: أنا تمام الحمد لله انتوا عاملين ايه ؟ .... كانت تظهر مظاهر القلق و اللجلجة على ندى
مازن : احنا تمام الحمد لله انتى ايه اخبارك يا بنتى مختفية تماما
ندى: ولا مختفية ولا حاجة ادينى موجودة ده حتى كنت لسه كنت مع عاصم امبارح
مازن : يعنى عاصم هو اللى حلو و احنا ميتسألش علينا
ندى: لا والله ده انا شفته بالصدفة انت عامل ايه ؟ ايه اخبار النيابة عل حسك
مازن: تمام لو عايزة نلبس اى حد مصيبة قولى بس انتى تؤمرى
أخيرا سمعت ندى هذا الصوت الذى كان دائما يدور فى فكرها معتز : انتى عاملة ايه يا ندى انا لما نهال قالت انها هتقابلك قلنا لازم نيجى نسلم عليكى
صمتت ندى للحظات ثم قالت : أحسن حاجة انا فعلا من زمان مشفتكوش انت عامل ايه يا معتز؟
معتز: الحمد لله لسه فى الجو فاضلى دولتين إيران و أفغناستان عشان اكون لفيت العالم كله ثم ضحك ضحكة لم تفهمها غير ندى
ندى: انت لسه مصر تروح برضه ايران و أفغنستان بعد الشر يا سيدى ايه يا نهال هتتجوزى امتى و لا مستنية قرار النائب العام
ضحكت نهال قائلة : لا خلاص سيادة وكيل النيابة قرر ان احنا هنتجوز يوم ما نتم ال 15 سنة مع بعض
ندى : يعنى يوم 1 إبريل الجاى
مازن : ده انتى حافظة بقى
غمزت نهال لمازن حتى يصمت : هتيجى بقى ولا ايه ؟
ندى: هأجى طبعا انا أقدر أتأخر
معتز: انا هاجى يوم فرحها الصبح من فرنسا
ندى: خلاص هاتلها هدية فرحها من هناك
معتز: ربنا يهديكى عل الطيب يا ندى
ضحكوا جميعا ثم استردت ندى قائلة : ايه يا نهال انتى هتفوتيها كده
نهال : انتى تعرفى عنى كده برضه
وقف مازن فجأة موجها كلامه لمعتز : مش يلا بقى ولا ايه انت عندك طيارة بليل تعالى اوصلك و سيب عربيتك لنهال تروح بيها
معتز: ماشى بس لو سمحتى يا نو تركنى العربية فى الجراج و تقولى للسايس ينظفها من جوه و من بره
نهال: حاضر عنيا يا باشا
قامت نهال مع أخيها و خطيبها لتوصلهما و فى هذه الأثناء أجبرت ندى أن تتذكر فترة خطوبتها من حسين و كيف كان يعاملها مع كل محاولاتها لإرضاءه إلا انه كان صعب الإرضاء مهما فعلت معه و مع كل ما كان يفعله و كم الكلمات التى يلتفظها فى غضبه و عدم سؤاله عنها و لا حتى مكالمتها فى أى وقت يكون فيه مضايق قليلا . و كم مرة كانت هى منهارة و محتاجة لشخص بجوارها لتستند عليه لم تكن تجده . حاولت كثيرا الحديث مع والدتها و لكن كان ردها دائما و دوما الحب بيجى بعد الجواز . و لكن فى حالة ندى لم يأتى الزواج ولا غيره . سالت بعض الدموع على وجنتى ندى لكنها مسحت وجهها سريعا و لكن كانت نهال جاءت و لاحظت ما بها ربتت على كتفها و جلست.
نهال: ندى أنا اسفة و الله هما اللى أصروا يجوا معايا و الله أسفة
ندى: يا نهال انا مبفكرش ف ده كله خلاص معتز بقى له حياة و انا بقى ليا حياتى متخافيش مضايقتش و الله
نهال: طب مالك بقى إحكيلى و ايه قصة دموعك دى فى ايه يا ندى ؟
ندى: أنا تعبانة يا نهال تعبت بجد عمرى ما كنت أتخيل ان حياتى توصل للمرحلة دى
نهال: فى ايه احكيلى
ندى: طب تعالى نقعد بره فى العربية عشان لو حصل حاجة ميكونش قدام الناس كده
نهال: ماشى يا حبيبتى تعالى
غادروا المطعم سويا و ذهبوا لسيارة نهال و جلسوا سويا و بدأت ندى فى الحديث
ندى: أنا صراحة مش عارفة أبتديلك من فين بالظبط ؟ حسين اتجوز عليا
نهال: نعم !!؟ اتجوز عليكى هو انتوا لحقتوا عشان يتجوز عليكى ده لو احنا اعتبارنا ان ده خيار يعنى
ندى: ااه اتجوز عشان انا أتأخرت فى الحمل و انا كبيرة و هو عايز يشوف خلفته و انا ممكن مخلفش المشكلة مس ف كده المشكلة انى مكنتش عارفة و كان بيعاملنى معاملة قذرة و اهانة مستمرة و اكتشف فجأة من مامته انه اتجوز و كمان مراته حامل و بتقوليهالى على أساس انها بتذلنى
نهال: ده بجد انا مش مصدقة ان ممكن حد يفكر كده دى حاجة بتاعة ربنا مش بإيد حد فينا
ندى: الكوميديا السوداء بقى انى لما عرفت سبت البيت و طلبت الطلاق و روحت لأهلى بس صراحة قابلونى مقابلة خلونى أكره اللحظة اللى انا روحتلهم فيها اتخانقت مع ماما و نزلت عشان اروح لعمتى قابلت عاصم مشينا مع بعض و انا بحكيله اغمى عليا ودانى المستشفى طلعت انى حامل تخيلى يا نهال ؟ الدنيا دى عجيبة بجد
نهال: أنا حاسة انى بسمع قصة فيلم و انتى اهلك محسوش انها اهانة ليكى انه يتجوز عليكى
ندى: لا خالص ده الست الوالدة بتقولى ااه حقه عادى انتى مينفعش تسيبى بيتك
نهال: أنا بجد مذهولة طبعا مبروك انك حامل بس انا عارفة انتى حاسة بإيه دلوقتى طب انتى هتعملى ايه دلوقتى ؟
ندى: أنا سبت بيت بابا انهاردة و معايا شنطتى فى عربيتى و هأروح أقعد عند عمتى يمكن تنصفنى
نهال: ربنا معاكى بجد يا ندى و ده كله و انتى ساكتة و مبتحكيش
ندى:هأحكى ايه هو اللى انا فيه ده يتحكى خلينا كاتمة ف قلبى بدل ما يجرالى حاجة أنا هأمشى بقى عشان انتى عارفة الزحمة عاملة ازاى عشان لسه هأروح لعمتى
نهال: ماشى يا حبيبتى بس ابقى طمنينى عليكى انا هأكلمك بكرة
ندى: ماشى سلام
ترجلت ندى من سيارة نهال و ذهبت فى إتجاه عربيتها و لم تستطع التفكير فى أى شئ غير كيف ستواجه ما يحدث لها .....

جمهورية مصر العربية أم الدنيا و حضارة سبعة ألاف سنة الدولة التى ذكر فى القرآن الكريم بأن بها خير أجناد الأرض .... كل ذلك ذهب مع الرياح لم تعد أم الدنيا و لم تعد بلد الأمن و الأمان و لم تعد ذو مكانة فى أى شئ إلا مركزها التانى على كل دول العالم من حيث نسبة الأغتصاب و التحرش الجنسى و مع نسبة الأسلاميين العظيمة فى البلاد و إلا أن مازال يقع اللوم على المرأة على أنها السبب فى إثارة الرجال بغض النظر أن هناك نسبة لا يستهان بها من المتحرش بهم من المحجبات ذو الحجاب السليم . لكن ذلك لا يمنع أن المرأة هى السبب . الرجل المتحرش ذو الغرائز الحيوانية لا لوم عليه و كل من يبرر له ذلك لا لوم عليهم أيضا . أنا أرى القصور الفعلى فى المتأسلمين الذين يتمسكوا بقشور الدين و لا يعلموا عواقب كل شئ كما ذُكر فى القرآن و السنة الشريفة . و القصور أيضا فى نظام القضاء الفاسد الذى لا يحكم حكم نافذ على المتحرش أو المغتصب حتى لا يفعل مثله هذا مرة آخرى . الخطأ الفعلى هو فى سكوت الفتيات و النساء على ما يحدث لهم فى موصلات عامة و تجمعات و فى الشوارع العادية بصورة عامة لأن بمنتعهى البساطة لن يقبل المجتمع بفتاة تقول أن تم التحرش بها أو حتى تم إغتصابها و لا يمكن أن نلوم الفتيات على ذلك لأنهم لو رؤوا أى تضامن من المجتمع كانوا قاموا بالتصرف الصحيح و أبلغوا عن ما يحدث لهم . أما بالنسبة للمتأسلمين الذين يلموا الفتيات على مثل هذه التصرفات يجهلن حقيقة لابد أن يعلموها أن حتى لو الخطأ هو خطأ ملابس الفتيات ذلك لا يبرر سؤء فعل الآخرين أو بمعنى آخر خطأ الغير لا يبرر لنا خطأنا . و هنا قد برر للشرطى الذى قام بتعرية فتاة فى الشارع فى أحداث مجلس الوزراء عام 2012 و أيضا برر كشوفات العذرية التى قام بها بعض ظباط الجيش عام 2012 أيضا برر الأعتداءات على المرأة بصورة متكررة لأن لم يجدوا من يردهم عن فعل ذلك و من تتحدث يقال عنها سيئة السمعة . ذلك يتكرر بنفس الصورة بالنسبة للنساء المطلقات حيث أن المجتمع يرى أن المرأة هى المسؤولة عن بقاء البيت أو خرابه بغض النظر أن من الممكن أن يكون الزوج هو السئ أو أن لا يُحتمل من حيث تصرفاته و ألفاظه و كل شئ فأصبح مجتمعنا ينظر للنساء المطلقات كما ينظر للمرأة المُتحرش بها أو المرأة المغتصبة و تصبح منبوذة إلا من رحم ربى . نها أن

تحياتي لهذا المجتمع الذكورى 8 ........ بقلم ريم موسى




بعد أن تركت ندى عاصم و في طريقها لمنزل والديها ظلت تفكر كيف علم عاصم بأنها تخفى شئ هى فعلا كانت تخفى أشياء و ليس شيئاً واحدا . سألت نفسها كيف أدرك عاصم أنها تخفى شئ و لم يستطع أهلها أن يدركوا ذلك ؟ . هل عاصم يعرف ندى أكثر من والديها ؟ أم أن خلافات والديها جعلتهم لا يستطيعوا قراءة أبنتهم مثلما فعل صديقها !؟ . شعرت ندى فجأة بالغضب العارم من والديها و من زوجها و من عائلتها لأنها فجأة بعد كلام عاصم أصبحت تراهم غرباء عنها لا يعلموا شيئا عنها . فى هذا الوقت قررت ندى مكالمة صديقتها نهال . نهال صديقة ندى و عاصم منذ فترة طويلة و كانت زميلة ندى فى نفس الكلية . نهال كانت فتاة من أسرة ميسورة الحال مثل أسرتى عاصم و ندى . كانت و مازالت جميلة كأن الوقت لا يمر عليها . بالرغم من أن والديها منفصلين و لكنها كانت تعيش حياة متوازنة جدا هى و أخيها لأن والديها أخذوا قرار الأنفصال حتى لا يلحقوا بأطفالهم الأذى النفسى و قبل أن يكرهوا بعض تماما و كانوا قد أتفقوا منذ البداية أن أى خلافات بينهم تظل بينهم لا يصدروها لأطفالهم و أن تتم تربيتهم بالتوافق بينهم دون تدخل من أشخاص و بالرغم أن والد نهال تزوج و لكن ذلك لم يؤثر عليها لأنه كان دائما موجود فى أى حدث فى حياتها و كانت والدتها لا تقوم بأى شئ بدون العودة له . بإختصار لقد تربت نهال تربية سوية بالرغم من إنفصال والديها .
أخذت ندى هاتفها المحمول من شنطتها و ضحكت ضحكة سخرية عندما وجدت على شاشة الهاتف صورة ندى و حسين يوم زفافهما و سألت نفسها : أنا ليه لسه حاطة الصورة دى !!؟
أتصلت بصديقتها نهال و لم تتفاجئ عندما سمعت أغنية قلبى أختارك لعمرو دياب كرنة الكول تون على رقم نهال و تذكرت أن نهال فرحها بعد بضعة أشهر من حبيب عمرها "مازن" و أخيراً ردت نهال قائلة : ندى هانم و الله واحشانى يا بنت عاملة إيه؟
ندى: انتى اللى عاملة ايه ؟
نهال: أنا تمام الحمد لله . انتى مالك يا ندى صوتك مش مظبوط
ندى: هقولك بكرة لأنى عايزة أشوفك بكرة ضرورى
نهال: احنا تحت أمر السيادة يا أفندم بس طمنينى مالك !!
ندى: انتى على فكرة بدأتى تلخبطى أنا ندى مش حضرة وكيل النيابة مازن
 نهال: ليه و هو انتى فاكرة انى بكلم مازن كده !!! ده هو اللى بيكلمنى كده أنا الحب الحب يا بنتى ثم ضحكت ضحكة و استردت كلامها حين قالت هاا فين و امتى !!؟ انتى عارفة انى مشغولة !!
ندى: ماشى يا ستى فضى نفسك على الساعة 2 أو 3 الضهر كده عشان نتغدى مع بعض نتقابل فى المهندسين يلا يا ستى أنا اللى هاجى لغاية عندك
نهال: يا سلام طول عمرى بقول عنك أجدع صاحبة ليا بس أنا بكرة هأعرف انتى مالك ولا فاكرة انك كنتى هتاخدينى فى دوكة !!
ندى: أنتى تؤمرى هقولك على فكرة أنا قابلت عاصم انهاردة
نهال: ايه ده !!؟ لا احنا قعدتنا هطول بكرة بقى هتيجى بعربيتك و لا أجيب عربيتى عشان أوصلك ؟
ندى: لا هأجى بعربيتى سلام أشوفك بكرة بقى
نهال: خلاص على معادنا ان شاء
أغلقت الهاتف معيدة على نفسها نفس السؤال التى طرحته على بعدما تركت عاصم. هل أصدقاؤها يعرفوها أكثر من والديها و نهال التى علمت ان ندى بها شئ من مجرد سماع صوتها . وجدت ندى نفسها أما منزل والديها وقفت قليلا تنظر للسماء و تناجى ربها ليساعدها فى هذه المشكلة و أخيرا صعدت و دقت الجرس فتحت لها والدتها و نظرت لها نظرة أسى ممزوج بغضب و مرارة  لا يمكن لندى أن تنسى هذه النظرة حتى لو مرت عليها ملايين السنين . دخلت ندى غرفة نومها القديمة بدون أن تنطق بأى كلام هذا أثار فضول والدتها لماذا عادت بعد أن تركتهم و بعد يوم طويل لا يعلموا أين كانت . تفقدت ندى غرفتها القديمة التى لم تختلف عن آخر مرة تواجدت فيها قبل زواجها من حسين . نظرت لتلك الحوائط زهرية اللون وجدت صورتها هى و نهال و عاصم فى أول يوم لهم فى الجامعة . أمسكت الصورة و ظلت تحدق بها كأنها تريد أن تتعرف على هذه الفتاة المرحة المرتدية فستان لونه برتقالى حاولت تربط بينها و بين هذه الفتاة و لكنها لم تجد أى تشابه بينهم . أحست ندى بأنها لم تعد نفس ندى القديمة . جلست فوق سريرها تتأمل مكتبها و مكتبتها الصغيرة بكل الكتب التى تحبها " الأعمال الكاملة لنزار قبانى " "المجموعة الكاملة لأبى فراس الحمدانى و المتنبى " و غيرها الكثير من طتب الشعر و بعض الروايات الأنجليزية و الفرنسية لأشهر الكتاب الغربيين . أخيرا وجدت ندى ألبوم صورها على مكتبها أخذته و جلست مرة آخرى تتصفحه و تذكرت كل الأوقات التى كانت تقضيها مع صديقيها عاصم و نهال و فى بعض الصور مازن و والدة نهال و والدها و و والد عاصم و والدته و لكنها لم تجد صورة واحدة تجتمع فيها هى و والدها و والدتها و لكنها لم تستغرب ذلك لأنهم كانوا مشغولين فى خلافاتهم بدلا من أن يصنعوا مع ابنتهم ذكريات لتظل معها لآخر حياتها و لتنسى بها ما فعلوه بها . دخلت والدة ندى الغرفة فجأة و أصابت ندى بالفزعة لأنها كانت فى عالم آخر وكأنها عادت فجأة من عالم الأحلام . و بدأت فقرة الأسئلة التى حاولت ندى تأجيلها بكل الطرق و لكنها استسلمت أخيرا و نادت على والدها ليأتى حتى تقول كلامها مرة واحدة و لا تعيد الكلام مرة آخرى .
ندى: أنا لما نزلت انهاردة انا قررت انى هأروح لعمتى بس قبل ما اروح قابلت عاصم و أغمى عليا
والدتها: ايه !!؟ إزاى؟ قالتها بلهجة قلق واضحة
اسستطردت ندى كلامها : ودانى المستشفة و طلع انه جالى هبوط حاد فى الدورة الدموية و أنى حامل فى الشهر التانى . و قبل ما تقولوا أى حاجة أنا هأكمل إجراءات الطلاق و مش هأرجع البيت يا ماما
سكت الجميع و سادت فترة من السكوت
قطعت ندى هذا الصمت قائلة : متخافوش أنا مش هأنزل الطفل ده أنا مش حمل أنى أشيل المسؤولية دى أدام ربنا بس اللى انا عايزاه منكوا لو سمحتوا أنا مش عايزة حسين يعرف حاجة عن الحمل ده خليه هو .....
قاطعتها والدتها : انتى بتتكلمى إزاى يا ندى انتى اكييد اتجننتى انتى واعية ل اللى بتقوليه أبو العيل ده لازم يعرف و مفيش حاجة اسمها طلاق ما يمكن بعد ما يعرف يتعدل معاكى و يطلق الست التانية اللى اتجوزها دى .....
قاطعتها ندى بلهجة حادة : مين ده اللى يتعدل يا ماما و انتى متخيلة انى مهما كنت رافضة موضوع جوازه انى هأقبل انه يطلق واحدة ملهاش أى ذنب و يرمى ابنه ولا بنته اللى منها فى الشارع أنا مش بالأخلاق دى
والدتها: هى متترميش فى الشارع بس انتى اللى تترمى فى الشارع ايه الكلام الفارغ ده
ندى:مين اللى قال انى هترمى فى الشارع يا ماما هو مش البيت ده مش بيتى ولا خلاص مبقاش بيتى ؟
والدتها: لا يا ندى مبقاش بيتك مادام اتجوزنى يبقى بيتك هو بيت جوزك و هنا للزيارات بس
والدها: ايه اللى انتى بتقوليه ده يا عايدة البيت بيته طبعا مهما عدى الوقت
والدتها : هو ده اللى ربنا قدرك عليه انك تقوله بدل ما تعقلها ........
سرحت ندى و لم تعد تنصت لحوار والديهما و لأنهم كالعادة كانوا يتشاجروا كانت تتمنى أن ينتهى هذا الحوار بأسرع ما يمكن لأنها لم تعد تستطع سماع هذا الشجار أكثر من ذلك فكرت للحظات هل يمكن فعلا أن يتغير حسين بعد أن يعرف أنها حامل و لكنها طردت هذه الفكرة سريعا لأنها واثقة من النتيجة لن يتغير حسين . لكنها لم تكن أن حسين سوف يتغير و لكن ..... للأسوأ .
انتى روحتى فين يا بنتى خليكى معانا هنا فاقت ندى على كلمات والدتها
ندى: ماما أنا مش هأرجع لحسين و خلاص انتى وصلتيلى فكرة ان البيت هنا مبقاش بيتى فخلاص ممكن تسيبنى أنام بقى لأنى بجد تعبانة
والدتها: تنامى ايه انتى مش عارف حجم المصيبة اللى انتى فيها انتى تعملى كل عملة و تقولى أنا تعبانة
قاطعتها ندى بحدة : عملة ايه يا ماما هو أنا حامل منه فى الحرام ولا ايه ماما لو سمحتى انتى و بابا عايزين تكملوا خناق اتفضلوا كملوه بره لأنى هموت من التعب .
و أخذت ندى لباس نومها من شنطتها و نظرت لهم قائلة ممكن تطلعوا لأنى عايزة أغير عشان أنام ولا يا ماما برضه مش مسموحلى أنام فى البيت أنزل ادورلى على حته أنام فيها ؟
خرج والدها ووالدتها من الغرفة و هم يتشاجروا معا و أغلقت باب غرفتها عليها و جلست على الأرض أمام باب الغرفة و غصب عنها سقطة دمعة على وجها نتيجة كلام والدتها لها . و لكنها أسرعت بمسحها كأنها لا تريد أن تستسلم أمام نفسها . وقفت ندى أمام دولابها و تفقدت بعض الملابس التى تركتها و لكن لم يكن أحد يعلم أن هذه الملابس لها قيمة معنوية مهمة فى حياة ندى . جلست أمام مكتبها و أخذت تتفقد أدراج هذا المكتب ووجدت هذا الصندوق الخشبى الصغير المغلق بقفل لم يكن يعلم مكان مفتاح هذا الصندوق إلا ندى و نهال لأهميته القصوى . أخذت الصندوق و جلست على سريرها و أخذت تنظر له كثيرا و حين فتحته ظلت تنظر له و تشتمه كأنه له رائحة خاصة به تعنى لندى شئ . و لكن قبل أن تفتح ندى محتوياته غلبها النوم .
إستيقظت ندى فى الصباح التالى وجدت الصندوق الخشبى بجوارها و لكنه نظرت له و ضحكت ضحكة باهتة و أغلقته و وضعته فى شنطتها و كأن به شئ يبعث روح مختلفة فيها . بعد بعض الأنشطة الصباحية المعتادة أرتدت ندى ملابسها و أخذت شنطتها و وقفت أمام باب المنزل تتأمله و كانت والدتها و والدها غير موجودين نزلت ندى و ذهبت للقاء نهال صديقة عمرها و لكنها لم تعلم أنها ستكون لقاء من نوع آخر ..........