فى
مجتمعنا المصرى أصبح الزواج كصفقة من يدفع أكثر لمن تمتلك أصول أكثر أصبح الزواج
كصفقة حقيرة فى السوق السوداء . الأشخاص فى مجتمعنا الجليل تناسوا المعيار الأساسى
للزواج و بحثوا عن معايير آخرى . نسوا أو تناسوا أن القيمة الأساسية للزواج كما
قال الرسول(ص) من ترضوا دينه و خلقه فزوجوه و لا يمكن غض النظر عن التكافؤ
الإجتماعى و التكافؤ المادى بين الطرفيين و لكن الأمر إختلف تماما الآن حيث أن
أصبح الزواج جوهره المادة . أصبح الزواج عبارة عن من سيدفع مهر أكثر من غيره و من
يمتلك شقة تمليك و من سيشترى شبكة بسعر أعلى و من سيكتب مؤخر أعلى من غيره و مثل
ذلك فى الكثير من الأمور أصبح مجمل الزواج المادة البحتة . و نسينا كل المعانى
الجميلة للزواج من حيث انه بداية لأنشاء أسرة و بيت جديد و حياة جديدة و اندماج
بين عائلتين أو بمعنى أصح إنصهار عائلتين . و نسوا أيضا أن الزواج لابد أن يقام
على أساس توافق فكرى بين الطرفين حتى يستطيعوا الأستمرار فى الزواج هذا لو لم
نتحدث عن الحب و أن الحب يأتى بعد الزواج كما يقال فى الزواج التقليدى أو ما يسمى
بزواج الصالونات . من تقبل على نفسها أن تعيش مع رجل بُنيت علاقتهما على المادة
كيف ترى نفسها عندما تنظر فى المرآه . ألا ترى أى تشابه بينها و بين العاهرات التى
يتم الدفع لهن أو الدفع لقوادهن لتمارس علاقة مع رجل . ألا تنظر لنفسها بإستحقار
إذا شعرت فى يوم ان زوجها يبقيها على ذمته فقط لأنه غير قادر على دفع قيمة المؤخر
أو قيمة القايمة . كيف ترى نفسها عندما تُهان بأسوء الطرق لمجرد أن زوجها يدفعها
لطلب الخلع حتى لا يدفع المبالغ الطائلة التى كتبها على نفسه . كيف ترى نفسها
عندما يتزوج زوجها غيرها و يتركها كما يقال "زى البيت الوقف" لمجرد أنه
لا يرغب فى دفع قيمة لمؤخر و القايمة . لا أعنى بكلامى أن كل الزيجات بهذا الشكل و
لكن هناك نسبة لا يستهان بها على هذا الشكل . حين نستمع لفتاة تم خطبتها حديثاً
تتحكى لصديقتها عن خطيبها نجدها تقول "ده دكتور و عنده شقة تمليك و جابلى
شبكة بالمبلغ الفلانى و هنجهز الشقة بالمبلغ الفلانى" و لا نراها تتحدث عن
صفاته كرجل أو عن شكله أنما الحديث قائم على المادة أيضاً.
خلال
رحلة عودة ندى لمنزل عمتها تذكرت أول مرة رفع فيها حسين يده و ضربها على وجهها و
كم كانت تشعر بالأهانة و انها فقدت شئ من كبرياءها كيف انه يفعل معها شئ كهذا و
كان هذا رد فعله نتيجة مناقشة تافهة عن مصاريف البيت . لكنها تذكرت أيضا أنها لم
تكن المرة الوحيدة التى فعل فيها ذلك بل تتطور الأمر لأكثر من مجرد صفعة على الوجه
. و لكنها لم تستطع أن تتحدث لأنها هكذا تهين كرامتها أكثر و أكثر و لأنها تعلم أن
والديها لن ينصفاها كالعادة . ندى لم تستطع أبدا أن تقف أمام والديها لتقول لهم ما
الذى تشعر به بالتحديد أو تعترض على أى قرار من قراراتهم .
وصلت
ندى لمنزل عمتها و لكنها انتظرت لفترة فى السيارة لم تستطع ندى تحديد كم من الوقت
مكثت فى السيارة ختى قررت النزول و مواجهة الأمر الواقع فى فترة مكوث ندى فى
السيارة ظلت تنظر لكل من يمر بجوار سيارتها و تتخيل كم من حكاية وراء كل هذه
الوجوه و أقنعت نفسها أنها أفضل من غيرها بكثير و أنها ستتخلص من كل مخاوفها و
تصمد أمام والديها حتى يتم الطلاق و لكن كان هناك جزء خفى داخلها لم يكن متأكد من
مدى صدق كلامها لنفسها . حاولت تذكر أى لحظة عاشتها و هى سعيدة مع حسين و لكنها لم
تستطع تذكر أى شئ له و هذا كان بسبب أنه لم يكن هناك لحظات سعيدة بينهم تلك
اللحظات التى تأخذها فوق السماء من السعادة و السبب الآخر ان بعد زواجه من آخرى
أصبح صعب عليها تخيله و كل ما كانت تتخيله كانت تراه مع زوجته الآخرى . أخيرا
ترجلت ندى من سيارتها و توجهت نحو هذه البوابة القديمة ذات الطراز العتيق الخاص
بمنطقة الكربة فى مصر الجديدة و تذكرت عدد المرات التى كانت تلعب و هى ضغيرة فى
مدخل هذه العمارة . هنا كانت تختبأ من بنات عمتها و هناك كانوا يجلسوا يلعبوا سيجا
إبتسمت ابتسامة خفيفة و دخلت ذلك المصعد الضيق و صعدت للدور الثالث كانت ضربات
قلبها تزداد قوة أحست ان هناك شئ سوف يحدث و مع ذلك تماسكت و خرجت من المصعد و
ضغطت على جرس الشقة رقم 5 . فتح الباب رجل فى أواخر العقد السادس من عمره يرتدى
بنطال رمادى اللون و قميص أبيض اللون و به خطوط طولية لونها رمادى طويل القامة ذو
شعر شائب يعطيه وقار و هيبه ذلك الرجل لواء جيش متقاعد قائلا : ندى ازيك يا حبيبتى عاملة ايه ؟ اتفضلى
.
قالت
ندى: عمتى موجودة يا أنكل؟
عماد:
أه موجودة اتفضلى
دخلت
ندى هذه الشقة ذات الطراز القديم ذو الأرضية الخشبية و السقف العالى و الشبابيك
الطويلة و الحوائط ذات اللون الأبيض تدل هذه الشقة على أن ساكنيها أصحاب ذوق رفيع
فى طريقة ترتيب البيت و كانت بالفعل تبدو فخمة جدا و كانت تحب ندى هذا المزيج من
الفخامة و العراقة المتواجد فى منزل عمتها . فى مدخل الشقة توجد على الحوائط
مجموعة من الصور لأفراد أسرة عمتها فى مختلف الأعمار و الفترات الحياتية و لكن
توجد صورة أكبر من الباقيين و هى صورة بالأبيض و الأسود لزوج عمتها عماد ببذلته
العسكرية و بجواره هذه المرأة الجميلة القصيرة رقيقة الملامح و الشعر القصير حين
تراها كأنك ترى أحدى ممثلات السينما المصرية القديمة و ترتدى ذاك الفستان الأبيض
الملائكى ذو التصميم الملكى و كما كانت ندى تسمع دائما انهم يشبهون هذا الفستان
بفستان زفاف الملكة فريدة زوجة الملك فاروق هذه عمتها سلوى . بعد حائط الذكريات
توجد الصالة الرئيسية للشقة و كان بها صالونان أحدهما كحلى اللون و الآخر سكرى
اللون كان يوجد بالبيت إحساس بالألفة و الجو العائلى المثالى . أخيراً وجدت ندى من
ينتظرها فى الصالون جميع أفراد عائلتها بداية من أبيها و أمهها و مرورا بعمتها
سلوى و عمتها الآخرى سعاد و عمها جمال و ابنه و ابن عمتها سلوى و بالنهاية زوج
عمتها عماد الذى كان يقف خلف ندى . نظرت ندى حولها بتعجب و ضحكت ضحكة سخرية ......
ماما
هى المسألة دى تتحل إزاى ؟ عادت ندى من رحلة ذكرياتها على صوت إبنها محمد
ندى:
ورينى يا حبيبى .... دى سهلة أووى انت حليت زيها كتير بص بقى ......
كانت
ندى تتمنى فى يوم من الأيام ان تكون حياتها مثالية و لكنها مع الوقت لم تعد تطمح
لهذه المثالية و لكن كل ما كانت تتمناه أن يعيش ولديها حياة متوازنة بدون ان
يتأثروا بخلافتها مع حسين و لكن مع مرور الأحدى عشر عام التى قضتهم مع حسين أصبح
ولديها واعيين تماما لما يحدث بينها و بينه و أصبح ذلك يؤثر فيهم بالسلب سواء على
نفسيتهم او على علاقتهم الإجتماعية مع من حولهم حيث أن أصبحوا منطويين على أنفسهم
و أثر ذلك أيضا على مستواهم الدراسى و تلقت ندى الكثير من الشكاوى من ولديها من
مديرة المدرسة التى يرتادوها حيث أنهم لا يعطوا تركيز كامل للدراسة و مائليين
للعنف مع الأولاد معهم فى المدرسة . كانت ندى مدركة تماما أن هذا ممكن أن يحدث منذ
أن أصبحت حامل فى أحمد ولدها الكبير و لكنها حاولت كثيرا تغيير ذلك و لكنها لم
تستطع .
أخذت
ندى تتفقد منزلها و تلقى نظرة على كل غرفة و كأنها تلقى نظرة على ذكرياتها فى هذا
المنزل لم تستطع ندى تذكر ولا ذكرى واحدة كاملة من السعادة بدون ان ينهيها حسين
بنكد و شجار كالمعتاد . كانت متطلبات ندى تغيرت على مر السنين هى فى البداية كانت
تطلب من حسين ان يحبها كحب الأساطير و لكن لم يُلبى لها هذا الطلب . أصبحت تطلب
منه فقط ان يهتم بها و ان يحس بها و لكن ذلك طلب لم يُلبى أيضا . فأصبحت أخيرا لا
تطلب منه غير ألا يهنها أنا أولادها و ألا يتشاجر معها أمامهم حتى ا تتأثر نفسيتهم
و لكن ذلك الطلب أيضا لم يُلبى و كان مبرره الوحيد انه لا يفكر فى هذه التافاهات
كما تفكر بها هى لأنها كانت دماغها خالية من أعباء الحياة و لذلك تفكر بتفاهات و
تطلب منه تلبيتها .
لاحظت
ندى ان ابنها الكبير أحمد يجلس أمام التلفزيون و هو مغلق و لا ينطق بأى كلمة منذ
فترة ليست بالقصيرة نادت عليه و لكنه لم يجيبها ذهبت إليه و جلست بجواره
ندى:
أحمد !! أحمد !!! فى ايه مالك سرحان فى ايه ؟
أحمد:
مش سرحان فى حاجة يا ماما
ندى:
طب انت قاعد ساكت ليه و مفتحتش التلفزيون ليه؟
أحمد:
ماما انا عايز اسألك سؤال هو انا امتى هموت ؟
ندى:
بعد الشر عليك يا حبيبى ربنا يديك طولة العمر و افرح بيك و ب عيالك ان شاء الله
انت ليه بتقول كده؟ فى حاجة مضيقاك
أحمد:
هو انتى يا ماما انتى و بابا بتحبونى انا و محمد ؟
ندى:
ااه طبعا يا حبيبى بنحبوكوا هو احنا لينا غيركوا
أحمد:
طب بتحبوا بعض ؟
تلجلجت
قليلا ندى ثم قالت: اه يا حبيبى
أحمد:
امال يا ماما مادام بتحبوا بعض ليه بتتخانقوا كتير ؟
ندى:
يا حبيبى كل الكبار بيختلفوا مع بعض و بعد كده بيتصالحوا وانا و بابا بينا حاجت
مختلفة ف ساعات نختلف مع بعض و بعد كده بنتصالح
أحمد:
بس انا و محمد بنضايق لما انتوا بتتخانقوا و بنفضل طول الليل نحلم أحلام وحشة
ندى:
انا اسفة يا حبيبى و اوعدك ان احنا منتخانقش تانى خالص
احتضنت
ندى ولدها أحمد و فى هذه اللحظة أدركت ان ولديها لم يعدوا أطفال و أصبحوا يدركوا
كل ما يحدث من حولهم بينها و بين حسين .كانت ندى منذ أن علمت بأنها حامل كانت
خائفة من هذه اللحظة كثيرا و لكن هذه اللحظة اتت أسرع بكثير مما كانت تتخيل .
وصل
حسين للمنزل فى هذه الأثناء و بعد طقوس دخوله البيت من تغيير ثيابه و تناول الغذاء
و ما إلى ذلك . نادت عليه ندى و لكنه
كالعادة لم يعر اى اهتمام لنداءها عليه خرجت له ندى من غرفتها قائلة : حسين لو
سمحت عايزاك فى كلمتين جوه
حسين:
طب ما تقولى انتى عايزة ايه انا عايز اتفرج على البرنامج ده
ندى:
معلش كلمتين مهمين شوية و ماينفعوش هنا ممكن تيجى
دخلت
ندى غرفة نومها و دخل وراءها زوجها قائلا : طب ما تستنى لما الولاد يناموا حبكت
تعوزينى دلوقتى
ندى:
حسين انت دماغك مفيهاش غير كده هو انا مينفعش اكون عايزاك فى اى حاجة تانية
حسين:
يبقى عايزة فلوس
ندى:
برضه لأ
حسين
:طب فى ايه يا ريت تقولى بسرعة لأنى راجع هلكان من الشغل
روت
له ندى ما قاله أحمد لها و لكنه كعادته استخف بالموضوع
حسين:
يا شيخة خضيتينى عيل و بيقول اى كلام
ندى:
لا يا حسين هو مش عيل عنده 9 سنين خلاص مبقاش عيل و كمان انت لو بتقعد مع ولادك
كنت عرفت انهم متأثرين باللى انت بتعمله ده
حسين:
انا اللى بعمل و انتى الملاك البرئ
ندى
: انا لا قلت ملاك برئ و لا غيره انا بقول ان انت لو حابب انك تتخانق يا ريت تبطل
تتخانق ادامهم لأنهم متأثرين جدا بالموضوع ده
حسين:خلاص
متبقيش انتى تضايقينى و انا مش هتخانق معاكى ادامهم
ندى:
انا مبنرفزكش انت اللى بتصر انك تهينى فى ا وقت المهم دلوقتى لو مكنتش انت خايف
على نفسية الولاد انا خايفة عليها
حسين:
خلاص يا ست يا بتاعة النفسية محسسانى انى قاعد مع دكتورة نفسية ده انتى صيدلانية
ولا نسيتى
قالت
ندى بينها و بين نفسها : البركة فيك انت تسيتنى كل حاجة حتى انك نسيتنى نفسى
ثم
قالت ندى بصوت مسموع لحسين : لا منستش لسه فاكرة
و
فى طريقها لمغادرة الغرفة قال لها حسين : ما تيجى بعد ما العيال يناموا .....
قاطعته
ندى: ماشى يا حسين
غادرت
ندى الغرفة و هى يزداد بداخلها احساس انها تخطئ فى حق أطفالها و فى حق نفسها تحولت
حياة ندى كلها لعادة حتى اللحظات الخاصة بينها و بين زوجها أصبحت عادة لا تشعر
فيها بأى شئ أصبحت ندى احدى المومسات و لكن بطريقة شرعية وورقة زواج رسمية موثقة و
لكنها أحست نفسها لا تختلف كثيرا عنهم . من الممكن ان بعض يعترض او يستنكر طريقة
تفكير ندى و لكن هذه الحقيقة التى يحاول مجتمعنا إخباءها او انكارها . كم زوج مصرى
يحاول إسعاد زوجته أو إشعال شرارة حبهما مرة آخرى فى الحياة العادية . كم زوج مصرى
بعد مرور سنتين او ثلاثة على الأكثر يفكر فى احتياجاته فقط و هذه المدة لمن رحم
ربى و لكن فى آخريين بمجرد انتهاء قترة أسبوع العسل . كم زوج مصرى يبوخ إمرأته على
زيادة وزنها و عدم اهتمامها بنفسها و فى نفس الوقت لا ينظر لنفسه ولا يرى كم ازداد
وزنه و ان من حق امرأته ان يهتم بمنظره و جسده كما هو من حقه ان تهتم هى بمنظرها و
بجسدها . و لكن لأنه رجل فلا يهتم بهذه الأمور و لكن لابد ان يرى فى زوجته كل
النساء الجميلة من هيفاء وهبى و إليسا و نانسى عجرم و لا يحق لزوجته ان ترى فيه
أحمد عز و محمد رجب و كريم عبد العزيز . بالأختصار المجتمع المريض الذى نعيش فيه
يمجد الرجل و متطلباته مع ان فى نفس الوقت المرأة لها نفس المتطلبات و لكن لأن
الرجل هو العنصر المهيمن على المجتمع ف هو و متطلباته فوق النصف الآخر للمجتمع
......