بعد
أن تركت ندى عاصم و في طريقها لمنزل والديها ظلت تفكر كيف علم عاصم بأنها تخفى شئ
هى فعلا كانت تخفى أشياء و ليس شيئاً واحدا . سألت نفسها كيف أدرك عاصم أنها تخفى
شئ و لم يستطع أهلها أن يدركوا ذلك ؟ . هل عاصم يعرف ندى أكثر من والديها ؟ أم أن
خلافات والديها جعلتهم لا يستطيعوا قراءة أبنتهم مثلما فعل صديقها !؟ . شعرت ندى
فجأة بالغضب العارم من والديها و من زوجها و من عائلتها لأنها فجأة بعد كلام عاصم
أصبحت تراهم غرباء عنها لا يعلموا شيئا عنها . فى هذا الوقت قررت ندى مكالمة
صديقتها نهال . نهال صديقة ندى و عاصم منذ فترة طويلة و كانت زميلة ندى فى نفس
الكلية . نهال كانت فتاة من أسرة ميسورة الحال مثل أسرتى عاصم و ندى . كانت و
مازالت جميلة كأن الوقت لا يمر عليها . بالرغم من أن والديها منفصلين و لكنها كانت
تعيش حياة متوازنة جدا هى و أخيها لأن والديها أخذوا قرار الأنفصال حتى لا يلحقوا
بأطفالهم الأذى النفسى و قبل أن يكرهوا بعض تماما و كانوا قد أتفقوا منذ البداية
أن أى خلافات بينهم تظل بينهم لا يصدروها لأطفالهم و أن تتم تربيتهم بالتوافق
بينهم دون تدخل من أشخاص و بالرغم أن والد نهال تزوج و لكن ذلك لم يؤثر عليها لأنه
كان دائما موجود فى أى حدث فى حياتها و كانت والدتها لا تقوم بأى شئ بدون العودة
له . بإختصار لقد تربت نهال تربية سوية بالرغم من إنفصال والديها .
أخذت
ندى هاتفها المحمول من شنطتها و ضحكت ضحكة سخرية عندما وجدت على شاشة الهاتف صورة
ندى و حسين يوم زفافهما و سألت نفسها : أنا ليه لسه حاطة الصورة دى !!؟
أتصلت
بصديقتها نهال و لم تتفاجئ عندما سمعت أغنية قلبى أختارك لعمرو دياب كرنة الكول
تون على رقم نهال و تذكرت أن نهال فرحها بعد بضعة أشهر من حبيب عمرها
"مازن" و أخيراً ردت نهال قائلة : ندى هانم و الله واحشانى يا بنت عاملة
إيه؟
ندى:
انتى اللى عاملة ايه ؟
نهال:
أنا تمام الحمد لله . انتى مالك يا ندى صوتك مش مظبوط
ندى:
هقولك بكرة لأنى عايزة أشوفك بكرة ضرورى
نهال:
احنا تحت أمر السيادة يا أفندم بس طمنينى مالك !!
ندى:
انتى على فكرة بدأتى تلخبطى أنا ندى مش حضرة وكيل النيابة مازن
نهال: ليه و هو انتى فاكرة انى بكلم مازن كده
!!! ده هو اللى بيكلمنى كده أنا الحب الحب يا بنتى ثم ضحكت ضحكة و استردت كلامها
حين قالت هاا فين و امتى !!؟ انتى عارفة انى مشغولة !!
ندى:
ماشى يا ستى فضى نفسك على الساعة 2 أو 3 الضهر كده عشان نتغدى مع بعض نتقابل فى
المهندسين يلا يا ستى أنا اللى هاجى لغاية عندك
نهال:
يا سلام طول عمرى بقول عنك أجدع صاحبة ليا بس أنا بكرة هأعرف انتى مالك ولا فاكرة
انك كنتى هتاخدينى فى دوكة !!
ندى:
أنتى تؤمرى هقولك على فكرة أنا قابلت عاصم انهاردة
نهال:
ايه ده !!؟ لا احنا قعدتنا هطول بكرة بقى هتيجى بعربيتك و لا أجيب عربيتى عشان
أوصلك ؟
ندى:
لا هأجى بعربيتى سلام أشوفك بكرة بقى
نهال:
خلاص على معادنا ان شاء
أغلقت
الهاتف معيدة على نفسها نفس السؤال التى طرحته على بعدما تركت عاصم. هل أصدقاؤها
يعرفوها أكثر من والديها و نهال التى علمت ان ندى بها شئ من مجرد سماع صوتها .
وجدت ندى نفسها أما منزل والديها وقفت قليلا تنظر للسماء و تناجى ربها ليساعدها فى
هذه المشكلة و أخيرا صعدت و دقت الجرس فتحت لها والدتها و نظرت لها نظرة أسى ممزوج
بغضب و مرارة لا يمكن لندى أن تنسى هذه
النظرة حتى لو مرت عليها ملايين السنين . دخلت ندى غرفة نومها القديمة بدون أن
تنطق بأى كلام هذا أثار فضول والدتها لماذا عادت بعد أن تركتهم و بعد يوم طويل لا
يعلموا أين كانت . تفقدت ندى غرفتها القديمة التى لم تختلف عن آخر مرة تواجدت فيها
قبل زواجها من حسين . نظرت لتلك الحوائط زهرية اللون وجدت صورتها هى و نهال و عاصم
فى أول يوم لهم فى الجامعة . أمسكت الصورة و ظلت تحدق بها كأنها تريد أن تتعرف على
هذه الفتاة المرحة المرتدية فستان لونه برتقالى حاولت تربط بينها و بين هذه الفتاة
و لكنها لم تجد أى تشابه بينهم . أحست ندى بأنها لم تعد نفس ندى القديمة . جلست
فوق سريرها تتأمل مكتبها و مكتبتها الصغيرة بكل الكتب التى تحبها " الأعمال
الكاملة لنزار قبانى " "المجموعة الكاملة لأبى فراس الحمدانى و المتنبى
" و غيرها الكثير من طتب الشعر و بعض الروايات الأنجليزية و الفرنسية لأشهر
الكتاب الغربيين . أخيرا وجدت ندى ألبوم صورها على مكتبها أخذته و جلست مرة آخرى
تتصفحه و تذكرت كل الأوقات التى كانت تقضيها مع صديقيها عاصم و نهال و فى بعض
الصور مازن و والدة نهال و والدها و و والد عاصم و والدته و لكنها لم تجد صورة
واحدة تجتمع فيها هى و والدها و والدتها و لكنها لم تستغرب ذلك لأنهم كانوا
مشغولين فى خلافاتهم بدلا من أن يصنعوا مع ابنتهم ذكريات لتظل معها لآخر حياتها و
لتنسى بها ما فعلوه بها . دخلت والدة ندى الغرفة فجأة و أصابت ندى بالفزعة لأنها
كانت فى عالم آخر وكأنها عادت فجأة من عالم الأحلام . و بدأت فقرة الأسئلة التى
حاولت ندى تأجيلها بكل الطرق و لكنها استسلمت أخيرا و نادت على والدها ليأتى حتى
تقول كلامها مرة واحدة و لا تعيد الكلام مرة آخرى .
ندى:
أنا لما نزلت انهاردة انا قررت انى هأروح لعمتى بس قبل ما اروح قابلت عاصم و أغمى
عليا
والدتها:
ايه !!؟ إزاى؟ قالتها بلهجة قلق واضحة
اسستطردت
ندى كلامها : ودانى المستشفة و طلع انه جالى هبوط حاد فى الدورة الدموية و أنى
حامل فى الشهر التانى . و قبل ما تقولوا أى حاجة أنا هأكمل إجراءات الطلاق و مش
هأرجع البيت يا ماما
سكت
الجميع و سادت فترة من السكوت
قطعت
ندى هذا الصمت قائلة : متخافوش أنا مش هأنزل الطفل ده أنا مش حمل أنى أشيل
المسؤولية دى أدام ربنا بس اللى انا عايزاه منكوا لو سمحتوا أنا مش عايزة حسين
يعرف حاجة عن الحمل ده خليه هو .....
قاطعتها
والدتها : انتى بتتكلمى إزاى يا ندى انتى اكييد اتجننتى انتى واعية ل اللى بتقوليه
أبو العيل ده لازم يعرف و مفيش حاجة اسمها طلاق ما يمكن بعد ما يعرف يتعدل معاكى و
يطلق الست التانية اللى اتجوزها دى .....
قاطعتها
ندى بلهجة حادة : مين ده اللى يتعدل يا ماما و انتى متخيلة انى مهما كنت رافضة
موضوع جوازه انى هأقبل انه يطلق واحدة ملهاش أى ذنب و يرمى ابنه ولا بنته اللى
منها فى الشارع أنا مش بالأخلاق دى
والدتها:
هى متترميش فى الشارع بس انتى اللى تترمى فى الشارع ايه الكلام الفارغ ده
ندى:مين
اللى قال انى هترمى فى الشارع يا ماما هو مش البيت ده مش بيتى ولا خلاص مبقاش بيتى
؟
والدتها:
لا يا ندى مبقاش بيتك مادام اتجوزنى يبقى بيتك هو بيت جوزك و هنا للزيارات بس
والدها:
ايه اللى انتى بتقوليه ده يا عايدة البيت بيته طبعا مهما عدى الوقت
والدتها
: هو ده اللى ربنا قدرك عليه انك تقوله بدل ما تعقلها ........
سرحت
ندى و لم تعد تنصت لحوار والديهما و لأنهم كالعادة كانوا يتشاجروا كانت تتمنى أن
ينتهى هذا الحوار بأسرع ما يمكن لأنها لم تعد تستطع سماع هذا الشجار أكثر من ذلك
فكرت للحظات هل يمكن فعلا أن يتغير حسين بعد أن يعرف أنها حامل و لكنها طردت هذه
الفكرة سريعا لأنها واثقة من النتيجة لن يتغير حسين . لكنها لم تكن أن حسين سوف
يتغير و لكن ..... للأسوأ .
انتى
روحتى فين يا بنتى خليكى معانا هنا فاقت ندى على كلمات والدتها
ندى:
ماما أنا مش هأرجع لحسين و خلاص انتى وصلتيلى فكرة ان البيت هنا مبقاش بيتى فخلاص
ممكن تسيبنى أنام بقى لأنى بجد تعبانة
والدتها:
تنامى ايه انتى مش عارف حجم المصيبة اللى انتى فيها انتى تعملى كل عملة و تقولى
أنا تعبانة
قاطعتها
ندى بحدة : عملة ايه يا ماما هو أنا حامل منه فى الحرام ولا ايه ماما لو سمحتى
انتى و بابا عايزين تكملوا خناق اتفضلوا كملوه بره لأنى هموت من التعب .
و
أخذت ندى لباس نومها من شنطتها و نظرت لهم قائلة ممكن تطلعوا لأنى عايزة أغير عشان
أنام ولا يا ماما برضه مش مسموحلى أنام فى البيت أنزل ادورلى على حته أنام فيها ؟
خرج
والدها ووالدتها من الغرفة و هم يتشاجروا معا و أغلقت باب غرفتها عليها و جلست على
الأرض أمام باب الغرفة و غصب عنها سقطة دمعة على وجها نتيجة كلام والدتها لها . و
لكنها أسرعت بمسحها كأنها لا تريد أن تستسلم أمام نفسها . وقفت ندى أمام دولابها و
تفقدت بعض الملابس التى تركتها و لكن لم يكن أحد يعلم أن هذه الملابس لها قيمة
معنوية مهمة فى حياة ندى . جلست أمام مكتبها و أخذت تتفقد أدراج هذا المكتب ووجدت
هذا الصندوق الخشبى الصغير المغلق بقفل لم يكن يعلم مكان مفتاح هذا الصندوق إلا
ندى و نهال لأهميته القصوى . أخذت الصندوق و جلست على سريرها و أخذت تنظر له كثيرا
و حين فتحته ظلت تنظر له و تشتمه كأنه له رائحة خاصة به تعنى لندى شئ . و لكن قبل
أن تفتح ندى محتوياته غلبها النوم .
إستيقظت
ندى فى الصباح التالى وجدت الصندوق الخشبى بجوارها و لكنه نظرت له و ضحكت ضحكة
باهتة و أغلقته و وضعته فى شنطتها و كأن به شئ يبعث روح مختلفة فيها . بعد بعض
الأنشطة الصباحية المعتادة أرتدت ندى ملابسها و أخذت شنطتها و وقفت أمام باب
المنزل تتأمله و كانت والدتها و والدها غير موجودين نزلت ندى و ذهبت للقاء نهال
صديقة عمرها و لكنها لم تعلم أنها ستكون لقاء من نوع آخر ..........
No comments:
Post a Comment